الفارس النبيل واللصوص الخمسة
في قديم الزمان، في مملكة خضراء تُدعى "أرْدال"، عاش فارس شجاع يُدعى "سير إلياس"، اشتهر بحكمته وعدله وشجاعته. لم يكن فارسًا كسائر الفرسان؛ كان يحمل سيفه لا ليُرهب، بل ليحمي، ويستخدم قوته لا ليأمر، بل ليُصلح. وكان الناس يأتون إليه من كل مكان، طلبًا للنصح أو النجدة.
ذات مساء، اجتمع الناس في ساحة القرية وهم في حالة ذعر وهلع. فقد انتشرت أخبار عن عصابة مكونة من خمسة لصوص شديدي البأس، يهاجمون القرى الواقعة على أطراف الغابة السوداء. كانوا يسرقون المؤن والذهب، ويضرمون النيران في منازل الأبرياء. لم ينجُ من بطشهم أحد، وكانوا يظهرون في الليل كأشباح، ويختفون مع الفجر.
في أحد الأيام، اقتحم اللصوص قرية "مارين"، وهي قرية صغيرة يسكنها مزارعون وصيادون بسطاء. اقتادوا رجالًا، وهددوا النساء والأطفال، واستولوا على كل ما فيها من خيرات، حتى الدقيق والملح لم يسلم من سطوهم. وقف شيخ القرية مرتجفًا أمامهم، متوسلًا: "ارحمونا... ليس لدينا ما نعطيكم، لقد أخذتم كل شيء!"
لكن قائدهم، وكان يُدعى "غاروس"، ضحك بسخرية وقال: "أعدوا لنا ما نطلب خلال ثلاثة أيام... أو نعود ونحرق كل شيء!"
وصلت تلك الأخبار إلى الملك "راينولد"، فأمر بإرسال كتيبة جنود لمطاردة اللصوص. لكن الجنود، رغم عددهم، لم يتمكنوا من اختراق الغابة، حيث نصب اللصوص لهم فخاخًا، وأمطروهم بالسهام من أعالي الأشجار، ففرّ الباقون مذعورين.
عندها، جاء مبعوث من القصر إلى سير إلياس، وقال له: "مولاي، وحدك من نثق بشجاعته... أنقذ القرى من هؤلاء الوحوش."
لم يتردد إلياس، ركب جواده الأبيض، وأعد عدّته، وسار في طريقه إلى الغابة، متتبّعًا الآثار والدخان الذي تصاعد من القرى المحترقة. وبينما كان يشق طريقه وسط الأشجار الكثيفة، سمع صوت بكاء خافت. نزل عن جواده وتقدّم بحذر، حتى رأى طفلًا صغيرًا، يقف وحده تحت شجرة، يضم ذراعيه إلى صدره، وعيناه محمرّتان من البكاء.
اقترب إلياس منه بلطف، وجثا على ركبتيه وقال: "ما بك يا صغيري؟ ما اسمك؟"
رد الطفل بصوت مرتعش: "اسمي أمين لقد أخذوا أبي قالوا إنه إن لم يدلهم على مخازن الطعام سيؤذونه. أرجوك، سيدي، أنقذه!"
مدّ إلياس يده، وربت على كتف الصبي: "لا تخف، يا أمين. أعدك أن أعيده إليك سالمًا، وسأحمي قريتكم من هؤلاء الوحوش."
تابع إلياس طريقه، والطفل أمين خلفه، يقوده إلى المخبأ الذي شاهده من بعيد. عند أطراف نهر صغير داخل الغابة، لاحظ إلياس آثار أقدام كبيرة، وقطع قماش ممزقة، وعظام حيوانات حول نار مطفأة. قال في نفسه: "ها هنا كان معسكرهم مؤخرًا، إنهم قريبون."
تسلّل عبر الأشجار، حتى رأى خيمة ضخمة، يحرسها اثنان من اللصوص. في الداخل، كان غاروس يجلس متكئًا، يضحك بصوت عالٍ وهو يشرب، وأمامه والد أمين، مقيد بالسلاسل.
في تلك اللحظة، لم يكن الهجوم المباشر خيارًا حكيمًا. كان عددهم خمسة، وكل منهم شرس كذئب جائع. فخطرت لإلياس خطة بارعة.
انتظر حتى جنّ الليل، ثم أشعل نارًا في مكان قريب، وأطلق صفيرًا غريبًا يشبه صياح البوم وزئير الذئاب. ثم بدأ بإلقاء الحجارة نحو المعسكر من عدة جهات.
خرج اللصوص من الخيمة بفزع، وقال أحدهم:
"ما هذا الصوت؟ هل الغابة مسكونة؟"
قال آخر: "أظنها الأشباح... أو ربما أحد الفخاخ!"
بدأوا يتناثرون في أرجاء الغابة للبحث. عندها، استغل إلياس الفرصة، وانقض على الحارسين، وقيدهما بسرعة. دخل الخيمة وحرر والد أمين، وهمس له:
"تعال معي، بهدوء... لا تثر ضجيجًا."
لكن قبل أن يخرجا، دخل أحد اللصوص، فاشتبك معه إلياس بسيفه. دار قتال عنيف داخل الخيمة، حتى أسقطه إلياس أرضًا. ركض الآخرون إلى الصوت، لكنهم لم يجدوا أحدًا، فقد انسحب إلياس ووالد أمين عبر ممر خلفي إلى خارج الغابة.
في اليوم التالي، عاد إلياس إلى القرية ومعه الأسرى الثلاثة الذين أمسك بهم، وسرعان ما تعرّف عليهم باقي القرويين، وأدلوا بمواقع اثنين آخرين هربا ليلاً. طاردهم الأهالي وألقوا القبض عليهم بعد مطاردة شجاعة.
استُقبل إلياس استقبال الأبطال. زُفّت البشرى في القرى المجاورة، وعادت الحياة تدب من جديد. أما الطفل أمين، فركض إلى والده واحتضنه بحرارة، وهو يصرخ بفرح: "أبي عاد! أنقذه الفارس النبيل!"
اقترب إلياس منهما وقال بابتسامة دافئة: "الشجاعة لا تُقاس بالقوة فقط، بل بالرحمة، والعدل، والإيمان بالخير."
عند عودته إلى القصر، منحه الملك وسام الشجاعة الذهبي، وقال أمام الجميع: "إن مملكتنا فخورة بك، أيها الفارس النبيل... أنت فخر أرْدال."
ومنذ ذلك اليوم، صارت قصة "الفارس إلياس واللصوص الخمسة" تُروى في الأسواق والمدارس، وتُتلى على مسامع الصغار قبل النوم، عبر الأجيال، كتجسيد حي للشجاعة النبيلة والذكاء المنتصر على الشر.