قصة النملة والصرصور
في عالم الطبيعة، حيث تعيشُ
الكائناتُ الصغيرةُ في تناغمٍ مع بيئتها، تتجلى لنا العديدُ من الدروسِ والعبرِ، تحكي
لنا هذه القصةُ عن نملةٍ مجتهدةٍ وصرصورٍ مستهترٍ، يعكسان شخصيتين متناقضتين في مواجهة
الحياة، فبينما تعملُ النملةُ بلا كللٍ ولا ملل استعدادًا للمستقبل، يعيشُ الصرصورُ
يومَه مستمتعًا باللحظة دون أن يفكرَ فيما سيأتي، تُلقي هذه القصةُ الضوء على أهميةِ
التخطيطِ والعملِ الجادِّ، وتُعلمنا أن من يجتهدُ اليوم، يحصدُ ثمارَ جهدهِ غدًا.
من جد وجد
قصة النملة المجتهدة والصرصور الكسول
كان ياما كان في احدى الغابات البعيدة، حيث الأشجارُ
العاليةُ تلامسُ السماءَ، والأعشابُ الخضراءُ تملأُ الأرضَ بساطًا ناعمًا، كانت تعيشُ
نملةٌ مجتهدةٌ تدعى نورا، وصرصورٌ كسولٌ يُدعى كريم، كانت النملةُ تعملُ بجدٍ طوالَ
فصل الصيف، تجمعُ الحبوبَ وتخزنُها في مخزنها الصغير استعدادًا لفصل الشتاء القارس،
بينما كان الصرصورُ يقضي أيامَه في الغناءِ والرقصِ بين الأغصانِ، غيرَ مكترثٍ بالمستقبلِ.
عملٌ دؤوبٌ وكسلٌ لا مبالٍ.
استيقظت النملةُ نورا ذاتَ صباحٍ مشمسٍ، وانطلقت
إلى الحقلِ المجاورِ تحملُ قطعةَ قمحٍ تفوقُ حجمها بمرتين، كانت تعملُ بلا كللٍ أو
مللٍ، تحملُ الحبوبَ إلى جحرها وتعودُ بسرعةٍ لإحضارِ المزيدِ، حيث كانت تؤمنُ بأن
العملَ هو مفتاحُ الأمانِ، وأن الكسلَ لا يؤدي إلا إلى الندمِ.
أما الصرصور كريم، فقد كان يستلقي تحتَ ظلِ الشجرة،
يعزفُ على آلته الموسيقيةِ ويغني بأعلى صوته، بينما تتطايرُ أوراقُ الأشجارِ من حوله
كأنها ترقصُ على أنغامهِ، لم يكن يهتمُ بجمعِ الطعامِ أو تخزينِ أي شيءٍ للمستقبل،
فكلُّ ما يهمه هو الاستمتاعُ بالحياةِ والعيشُ مستمتعا عبر الغناء والرقص.
تحذير النملة
في يوم من الأيام، بينما كانت النملة نورا تمرُّ
بجوار الصرصور كريم، وقفت للحظةٍ وقالت له بحزمٍ: يا كريم، لماذا لا
تجمعُ الطعامَ لفصلِ الشتاءِ؟ قريبًا ستأتي العواصفُ، وستجدُ نفسك بلا طعامٍ أو مأوى، ولن تجد من يقد لك المساعدة.
ضحك كريم بصوتٍ عالٍ وقال باستهزاءٍ: يا عزيزتي نورا، لماذا تُتعِبين نفسكِ هكذا؟ ما زال الصيفُ طويلًا، والطقسُ
جميلٌ، والأيامُ مليئةٌ بالمرحِ والغناءِ، سأفكرُ في الطعامِ لاحقًا، ولكن الآن دعيني
أستمتعُ بوقتي.
هزت نورا رأسها بأسفٍ وقالت: أتمنى ألا تندمَ لاحقًا
يا كريم، ثم واصلت طريقها، تاركةً الصرصورَ مستلقيًا بلا مبالاةٍ، يواصلُ عزفهُ
وغناءهُ.
الشتاءُ القارسُ
مرتِ الأيامُ بسرعةٍ، وتبدلتِ الأجواءُ، وبدأ البردُ
يزحفُ شيئا فشيئا إلى الغابةِ، تساقطت أوراقُ الأشجارِ، وهبت الرياحُ القويةُ معلنةً
قدومَ الشتاءِ، وتجمعت الغيومُ في السماءِ، وبدأ المطرُ يهطلُ بغزارةٍ، فبدأت الحيواناتُ
تجري للإختباء في جحورها، كلٌّ يتغذى مما جمعه خلالَ الصيفِ.
أما كريم، فقد وجدَ نفسهُ وحيدًا في البردِ القارسِ،
دونَ طعامٍ أو مأوى، ثم بدأ يشعرُ بالندمِ الشديدِ على أيامِ اللهوِ التي قضاها بلا
فائدةٍ. كان يرتجفُ من البردِ، ويتضورُ جوعًا، ولم يكن يعرفُ ماذا يفعلُ، وبدأ يفكر فيمن سيقدم له يد
المساعدة.
طلبُ المساعدةِ
بعد أن نفد صبرهُ، قرر كريمُ أن يذهبَ إلى بيتِ
النملةِ نورا من أجل طلب للمساعدةِ، وما أن وصلَ إلى بابِ جحرها، فطرقَ البابَ برفقٍ،
ففتحت نورا البابَ بحذرٍ، نظر إليها كريمُ بعينين مليئتين بالندمِ، وقال بصوتٍ ضعيفٍ: أرجوكِ يا نورا، ساعديني، أنا جائعٌ وبردانٌ، وليس لدي طعامٌ أو مأوى.
تأملت نورا حالهُ، وشعرت بالشفقةِ عليه، لكنها تذكرت
تحذيراتها له خلالَ الصيفِ، قالت له بلطفٍ: لقد حذرتك يا كريم،
ولكنك لم تستمع لي، كان لديك وقتٌ كافٍ لجمعِ الطعامِ، لكنك اخترت اللهوَ والكسلَ.
أخفض كريمُ رأسهُ بحزنٍ وقال: أعلمُ أنني كنت مخطئًا، وأدركتُ الآن أن العملَ والاجتهادَ هما سرُّ الأمانِ
والاستقرارِ، أعدكِ أنني لن أكررَ هذا الخطأ مجددًا.
درسٌ ثمينٌ
ابتسمت نورا وقالت له: حسنًا، سأساعدك هذه المرة،
لكن عليك أن تتعلم من خطئك، من الآن فصاعدًا، عليك أن تكون مجتهدًا ومسؤولًا عن نفسك، دخل
كريمُ إلى جحرِ النملةِ، وأعطته نورا بعض الطعامِ الدافئِ، وسمحت له بالبقاء حتى ينتهي
الشتاء، وخلالَ هذه الفترةِ، بدأ كريم يساعدُ نورا في أعمالها، وأدركَ أهميةَ العملِ
والتخطيطِ للمستقبلِ.
وعندما جاء الربيعُ، خرج كريم إلى الغابةِ بحماسٍ
جديدٍ، وبدأ بجمعِ الطعامِ وتحضيرهِ لفصلِ الشتاءِ القادمِ، أصبحَ أكثرَ اجتهادًا وتنظيمًا،
وعلمَ أن الحياةَ ليست مجرد لهوٍ، بل تتطلبُ عملًا وتخطيطًا من أجلِ العيشِ بأمانٍ
وسعادةٍ.
ومنذُ ذلك اليوم، أصبح كريم ونورا صديقين حميمين، يعملان
معًا في الصيفِ، ويستمتعان بالراحةِ في الشتاءِ، بعد أن تعلما أن الاجتهادَ مفتاحُ
النجاحِ، وأن الكسلَ لا يجلبُ إلا الندمَ.