قصة خيرات السماء. لطالما كان الإيمان والصبر مفتاح الفرج في حياة
الإنسان، حيث تأتي الأرزاق في أوقات لا يتوقعها أحد، وتتحقق الأمنيات بعد طول
انتظار. هذه القصة تحكي عن قرية بسيطة يعيش أهلها على الزراعة، وتعتمد حياتهم بشكل
أساسي على خيرات السماء. كيف يواجهون المحن؟ وكيف يأتي الفرج بعد الشدة؟
قصة خيرات السماء
كان ياما كان في قديم الزمان، كان في قرية
صغيرة وسط حقول خضراء مترامية الأطراف، يعيش فلاح بسيط يُدعى سالم مع زوجته
وأطفاله الثلاثة، كانت حياة سالم شاقة، حيث كان يعتمد على الزراعة كمصدر وحيد
لرزقه، رغم تعبه، كان قلبه مفعمًا بالإيمان والصبر، فكان يردد دائمًا: الرزق بيد
الله، وهو الذي ينزل خيرات السماء.
كان موسم الزراعة قد بدأ، وحرث سالم أرضه وزرع
البذور بيديه المتشققتين من العمل الشاق، وهو يرفع يديه للسماء طالبًا المطر. لكنه
لم يكن يعلم أن هذا الموسم سيكون مختلفًا عن كل المواسم السابقة.
مرَّت الأيام، والشمس تلهب الأرض بحرارتها دون
أن تلوح في الأفق أي غيمة مبشرة بالمطر، بدأ القلق يتسلل إلى قلب سالم، فالمزروعات
بدأت تذبل والتربة تجف. اجتمع الفلاحون في الساحة العامة يتناقشون مصير محاصيلهم،
واتفقوا على إقامة صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث.
وفي اليوم الموعود، خرج أهل القرية جميعًا،
رجالًا ونساءً وأطفالًا، إلى أطراف القرية حيث بسطوا سجاداتهم وصلّوا بخشوع، كانت
أصوات الدعاء تمتزج بدقات القلوب المتضرعة، وكأن السماء نفسها تستمع إلى توسلاتهم.
لم تمرّ سوى ساعات قليلة حتى تجمعت الغيوم
الداكنة في السماء، وبدأت قطرات المطر تتساقط ببطء، ثم تحولت إلى زخات غزيرة ارتوت
بها الأرض العطشى، وعلت أصوات التكبير والتهليل في أرجاء القرية، والفرح يملأ
القلوب.
لكن المفاجأة لم تكن في نزول المطر فحسب، بل
فيما حملته تلك الغيوم من خير، ففي صباح اليوم التالي، لاحظ سالم أن محصوله ينمو
بسرعة لم يشهدها من قبل، وخلال أيام قليلة، نضجت المحاصيل وصارت أكثر وفرة مما
توقع أحد، لم يكن هذا حال أرض سالم وحده، بل حدث الأمر ذاته مع جميع الفلاحين في
القرية.
كانت هذه البركة موضع دهشة الجميع، فقرر أحد
كبار السن في القرية، الشيخ محمود، أن يجتمع بأهل القرية ليذكرهم بأن هذه الخيرات
ليست مجرد مصادفة، بل هي إجابة لدعائهم، وأن شكر النعمة يزيدها، فتحدث إليهم
قائلًا: الله سبحانه وتعالى يختبرنا أحيانًا بالجفاف ليجعلنا نشعر بحاجتنا إليه،
ثم يغمرنا بكرمه إذا لجأنا إليه بصدق. فلنحرص على الصدقة ومساعدة المحتاجين،
ولنشكر الله على نعمه العظيمة.
أخذت كلمات الشيخ محمود صدى في نفوس الفلاحين،
وقرروا تخصيص جزء من محاصيلهم للفقراء والمحتاجين. فبدأوا بجمع أكياس الحبوب
والخضروات، ووزعوها على العائلات الفقيرة في القرى المجاورة. لم يكن ذلك مجرد عمل
خيري، بل تحول إلى عادة سنوية يحرص عليها أهل القرية، فأصبح موسم الحصاد عيدًا
للخير والعطاء.
مرت السنوات، وكبرت مزرعة سالم، وتحسنت أحواله
الاقتصادية. لكنه لم ينسَ يومًا كيف بدأت قصته مع خيرات السماء، فظل يتذكر تلك
الليلة التي صلى فيها مع أهل قريته طلبًا للغيث، وكيف استجاب الله لدعائهم بكرم لا
حدود له.
وأصبح سالم يُعلم أبناءه وأحفاده أن الرزق لا
يأتي من الأرض وحدها، بل هو بيد الله، وأن الصبر والشكر هما مفتاح البركة. كان
يجلس في أمسياته مع أحفاده، يروي لهم حكايته، فتلمع عيونهم بشغف، ويتعاهدون أن
يسيروا على نهج جدهم في الإيمان والعمل والخير.
وهكذا، لم تكن خيرات السماء مجرد نعمة عابرة، بل
كانت درسًا للأجيال في الإيمان والصبر والعطاء، وظلت القرية مزدهرة بفضل روح
التعاون والتراحم بين أهلها، الذين لم ينسوا أبدًا أن الخير الحقيقي يكمن في
القلوب قبل الحقول.
إقرأ أيضا: