في أعماق القرى النائية، حيث تُنسج الحكايات من
تفاصيل الحياة اليومية، وتتكامل القلوب في مشاعر التضامن، يعيش الناس متكاتفين في
مواجهة التحديات. في هذه الأماكن، قد يكون الدواء أكثر قيمة من الذهب، حيث يصعب
الحصول عليه، والطريق إليه محفوف بالمخاطر. في هذه الأجواء، تنشأ قصص البطولة،
ويتجلى الإيثار بأروع صوره.
هذه قصة عن أب لم يعرف اليأس، ورجل كرس حياته
لمساعدة الآخرين، وقرية اجتمع أهلها حول معنى التضحية والمحبة. إنها قصة عن الأمل
وسط الصعاب، وعن شجاعة لا تعرف حدودًا.
قصة الدواء المفقود
في إحدى القرى الهادئة الواقعة بين الجبال، حيث
تعيش عائلات مترابطة كأنهم أسرة واحدة، وقعت حادثة غيّرت مجرى الأحداث في تلك
البقعة النائية.
كان الطبيب الوحيد في القرية، الدكتور أمين،
رجلاً مسناً لكنه ما زال يتمتع بحيوية الشباب عندما يتعلق الأمر بإنقاذ الأرواح.
كان عيادته الصغيرة ملجأً للمرضى والمحتاجين. لم يكن يطلب المال من الفقراء، بل
كان يعتبرهم أسرته التي ينبغي عليه رعايتها.
ذات يوم، أصيبت الطفلة ليلى، ابنة المزارع
يوسف، بحمى شديدة. هرع بها والدها إلى العيادة، وكان قلبه يخفق خوفًا على ابنته
الوحيدة. بعد الفحص، اكتشف الدكتور أمين أن ليلى تعاني من التهاب حاد في الرئة،
وبحاجة ماسة إلى دواء معين غير متوفر في القرية.
أخذ الطبيب نفسًا عميقًا وقال ليوسف: الدواء
الوحيد الذي يمكن أن ينقذها غير موجود هنا، لكنه متوفر في المدينة المجاورة. يجب
أن نجلبه قبل غروب الشمس وإلا ستكون حالتها خطيرة.
نظر يوسف إلى الطبيب بقلق، فالمسافة إلى
المدينة المجاورة تستغرق أربع ساعات سيرًا على الأقدام في الظروف العادية، ولكن في
هذا الطقس الماطر والطريق الوعر، قد يستغرق الأمر وقتًا أطول.
لم يكن أمام يوسف خيار سوى المغامرة. حمل كيسًا
صغيرًا يحتوي على بعض الزاد والماء، ثم انطلق إلى المدينة رغم تحذيرات جيرانه
الذين نصحوه بالانتظار حتى يتحسن الطقس. كانت العاصفة تزداد سوءًا، والرياح تعصف
بالأشجار، لكن قلب يوسف كان مملوءًا بعزيمة لا تلين. كانت ابنته تحتضر، ولم يكن
هناك وقت للتردد.
وفي المدينة، وصل يوسف أخيرًا إلى الصيدلية التي
أخبره عنها الطبيب، لكنه فوجئ بأن الدواء قد نفد. شعر بالإحباط، لكنه لم يستسلم،
وسأل الصيدلي: ألا يوجد أي طريقة للحصول عليه؟
رد
الصيدلي: هناك شحنة جديدة من الأدوية وصلت إلى المستودع، لكنه يقع في الطرف الآخر
من المدينة، ولا يمكنني المغادرة الآن. لم ينتظر يوسف أكثر، بل اتجه إلى المستودع
بنفسه.
وعندما وصل إلى المستودع، كانت هناك مشكلة
أخرى. فقد كان المسؤول عن المخزن قد غادر، وكان المكان مغلقًا. جلس يوسف منهكًا
أمام الباب، محاولًا التفكير في حل. فجأة، لمح أحد الحراس واقفًا بالقرب من
المدخل. اقترب منه يوسف وشرح له الموقف. تأثر الحارس بقصته وقرر مساعدته. بعد جهد،
تمكن الحارس من التواصل مع المسؤول، الذي حضر على الفور وسلّمه الدواء.
أخذ يوسف الدواء وركض عائدًا إلى القرية دون أن
يضيّع ثانية واحدة. كانت الرحلة شاقة، فالظلام الدامس زاد من صعوبة الطريق، ولكن
قلبه كان ينبض أملاً في إنقاذ ابنته.
عند الفجر، وصل يوسف إلى العيادة منهكًا
ومتعبًا، لكنه لم يهتم بجسده المرهق. سلّم الدواء للدكتور أمين، الذي أسرع بإعطائه
لليلى. مرت لحظات عصيبة، كان الجميع يترقبون ما سيحدث. وبعد ساعات طويلة، بدأت
حرارة ليلى تنخفض، وبدأت حالتها تتحسن تدريجيًا.
ذرف يوسف دموع الفرح، وشكر الطبيب على جهوده.
أما أهل القرية، فقد اجتمعوا أمام العيادة يصفقون ليوسف ويشيدون بشجاعته وتفانيه
من أجل إنقاذ ابنته.
ومنذ ذلك اليوم، أصبح يوسف رمزًا للإصرار
والتضحية في القرية، وصارت قصته تُروى للأطفال كحكاية عن الحب والوفاء. أما الدكتور
أمين، فقد قرر أن يطلب من السلطات توفير مستودع أدوية في القرية، حتى لا يتكرر هذا
الموقف مع أي عائلة أخرى.
وهكذا، لم يكن الدواء هو الشيء الوحيد الذي تم
العثور عليه في تلك الليلة، بل وُجدت معاني الحب والشجاعة والتعاون بين أهل
القرية، مما جعلهم أكثر ترابطًا وقوة من ذي قبل.
إقرأ أيضا: