قصة مملكة الحكايات مكتوبة كاملة وممتعة للأطفال، قصص
عربية للأطفال جميلة جدا، قصص تربوية للأطفال، يقدمها لكم موقع ركني: ركن المعرفة،
كما تجدون العديد من القصص الممتعة والمفيدة للأطفال عبر أقسام قصص المغامرات، قصص الأنبياء، قصص تربوية للأطفال، قصص قصيرة للأطفال، قصص إسلامية، قصص وعبر.
قصة مملكة الحكايات كاملة مكتوبة
كان ياما كان، في قديم الزمان لم يكن الأولاد إلا حكاية
واحدة يروونها لهم في كل البلاد. هذه الحكاية كانت تأتيهم من مملكة بعيدة، ألفها
لهم رب أسرة من أربعة أولاد، تولى كل ولد منهم سردها خلال أسبوع بكامله أمام الملك
والحاشية وجموع الناس والأولاد في باحة القصر الملكي، وما إن ينتهي الأسبوع الأول
في رواية القصّة حتى يعيدها الولد الثاني في الأسبوع الثاني من الشهر، ثم الولد
الثالث في الأسبوع الثالث، والرابع في رابع أسبوع من الشهر. ومع ابتداء الشهر
الجديد تعاد الكرة كما في الشهر السابق وما قبله.
هذه القصة الوحيدة كانت حوادثها تدور في إحدى القرى، حيث ذهب
فتى يملآ جرته بالماء، وبدلاً من ملئها من النهر العذب، ملأها من ماء البحر
المالح، فعاقبته أمه ومنعته من اللّعب، مرّت سِنين عديدة على هذه المملكة،
والأولاد لا يعرفون سوى هذه القصة، حتى بدت المملكة بأسرها مملة ضجرة، ففي كل
مساء، أثناء سرد القصّة، يتثاءب الملك مرارا، وينام الجنود والخدم، ويتعارك الصغار
فيما بينهم، وتتضجّر الأمهات منهم، وينفر الآباء من الضّجيج، وتذبل الأزهار وتيبس
الأشجار، وتجف المياه وتغادر الطيور أعشاشها.
وسيطر الخوف على الجميع مما وصلت إليه المملكة، فصارت تدعا
مملكة الموت بدلا من مملكة الحكايات، وأعلن الملك حالة الطوارئ في البلاد وطلب من
الجميع إيجاد حل لإنقاذ البلاد، والاشتراك في مسؤولية تأليف قصص وحكايات جديدة
متنوعة تنعش خيال الأولاد وتغدي أفكار الكبار، في أول الأمر، عمت البلاد حالة من
الارتباك والفوضى، لكن الناس ما لبثوا أن انقسموا إلى فرق عديدة، وخلت البلاد في
ورشة عمل متواصل ومنظم كأنّها خليّه نحل، اجتمع الأولاد الصغار، من هم دون
العاشرة، وبدأوا يفكرون في تأليف قصة خيالية مرحة تتحدث عن غابة كبيرة تعيش فيها
الحيوانات في سرور دائم، فالفيل فيها يمشي على خرطومه، والببغاء تتزحلق على رقبة
الزرافة، والذئب يخاف النملة، والنسر يفضل أكل البطيخ، ووحيد القرين يُراقِص
الغزالة، والثعلب يتنزه مع الدجاجة، والأفاعي تقدم التين الناضج للعصافير
الصّغيرة، والحمار مشغول بشكل دائم، يتمرن على الغناء، ويعلم أن نهيقه مزعج، لكنه
يحب الطرب والغناء والأناشيد، أما الأسد لا يهدأ له بال، يروح ويجيء، لا يقعد ولا
يستريح، يفكر دائما كيف يمكنه تسريح شعره المشعّث.
ضحك الأولاد لدى انتهائهم وصفقوا لبعضهم البعض، ثم قالوا:
هاك قصتنا الجميلة المرحة، لا شك أنها تسعد الصغار، أما الفتية والفتيات ممّن هم
فوق العاشرة، فإنهم محبو المغامرات الخرافية، لقد ألفوا قصة عن حصان كبير، له
أجنحة يطير بها، وله عينان تضيئان، ويتكلّم كل اللغات، يمتطون ظهره ويكشفون أثناء
الليل خطط اللصوص والعصابات ويساعدون في النهار ضريرا يجتاز الطريق أو طفلاً تاه
عن أمه، طلب الفتية من الحصان مرّة نزهة فوق البحار، فأخذهم في جولة فوق البحر
المتوسط وبحر إيجة وبحر مرمرة وبحر قزوين والبحر الأسود والبحر الأحمر، وكان أثناء
جولته هذه يغني لهم بلغة البلاد التي كان يمرّ فوقها ويحدثهم بها فلا يفهمون منه
شيئا بل كانوا يضحكون مسرورين بصحبته، وقد نشأت بينهم صداقة متينة تشاركوا من
خلالها في أعمال الجد والترفيه.
بعد قصة الفتية، جاء دور الأمهات، فأتين بقصة عاطفية
تتحدث عن أسرة لها أربعة أولاد كبار وخامس لا يتجاوز سنته الأولى، له في يده
اليمنى إصبع سادسة، فكانوا يدعونه بالسادس بدلاً من الخامس بسبب إصبعه هذه، ذات يوم
أرادت الأم مساعدة زوجها في قطاف العنب، فأوكلت أولادها بأعمال البيت وبرعاية
أخيهم الصغير (السادس)، أطاع الأولاد أمهم في أول الأمر، وبعد ذلك مر بالقرب منهم
أرنب شارد، فلحقوا به، ونسوا أخاهم الصغير الذي استيقظ من نومه وبدأ يحبو حتى وصل
إلى خارج البيت. فشاهده قوم من اللصوص، فحملوه وهبوا به وباعوه إلى أمير لم يزرق
أطفالاً، فسر به ودفع لهم مبلغاً كبيراً من المال.
رجعت الأم والأب من الكرم فرأيا أولادهما في لهو ولعب،
فتفقّدا صغيرهم فلم يجداه، فما كان من الأم إلا أن صرخت بهم قائلة: اذهبوا حالاً
وفتشوا عن أخيكم، وأشارت إلى الكبير منهم أن يتّجه شمالاً، وإلى الثاني أن يذهب
جنوباً، والثالث شرقاً والرابع غرباً، وأضافت: لن ترجعوا إلى البيت قبل عودة أخيكم
(السادس).
سعى الأولاد في جميع الاتجاهات سعياً حثيثاً وراء أخيهم
الصّغير، لكن عبثاً، وكانوا يأتون أمّهم بعد مرور كل شهر ويعتذرون منها على
إهمالهم وعدم طاعتهم، وهي جالسة تحت شجرة (الجميز) دائمة البكاء والنّحيب، تردهم
بغضب ولا تقبل منهم أي كلام.
وذات مرّة، مرّ موكب أمير بالقرب من حقلهم، فطلبت الأميرة
عُنقوداً كانت قد رأته متدليا من العريشة. فقطفه لها الولد الرابع وأتاها به في
عربيتها، فشكرته وأخذته منه بيدها اليمنى، بينما كانت تحتضن بيدها اليسرى طفلاً
جميلًا نائماً، لاحظ (الرابع) في يده إصبعاً سادسة فصرخ من فرحته، فما كان من
الأميرة إلا أن أمرت خدامها بالانطلاق السريع، هزّ الخبر الأولاد وأسرعوا يُخبرون
والديهم بما حصل.
ازدادت الأم أسى لهروب موكب الأمير والأميرة لعجزهم عن
استرداد آبنهم، وفي هذا الجو المشحون بالعواطف والانفعال، تحركت شجرة (الجميز)
وهدرت هدير أخاف الجميع: لقد تركت السحر منذ قرون طويلة، وفضلت أن أكون شجرة جمّيز
هرمة يفيءُ الناس إليها وتعطيهم بعض الثمار وتلطف تنقي الهواء، ولكن، يا أم
الأولاد (الخمسة)، لقد مضى علي شهور عديدة وأنت تنتحبين تحت أغصاني، لقد تفتّت
قلبي حزناً على وليدك، صعق الجميع واندهشوا، ولم يستطيعوا الكلام ولا التعليق
فبقوا صامتين إلا الأم التي بادرها قائلة: أرجوك ساعديني، ودليني على ما عساي أن أفعل
لاسترجاع صغيري،
هدرت شجرة الجمّيز هدرة ثانية وزمجر قائلة: هناك بعد تلتان
جبل عالٍ، تنتصب على قمّته شجرة صبّير ذات أشواك كثيرة، عند غروب الشمس، وحين يطلع
القمر بدراً، تتفتح عليها أزهار كبيرة بيضاء، ذات رحيق أصفر ذي مفعول سحري، إذا
دهن به شيء ما أختفي لمدة قليلة.
وبعد أن فشت الشجرة بهذا السر صدرت عنها صرخة ذبلت منها
أوراقها وتكسرت أغصانها، وهوت على الأرض.
أنا الذي سينقذ (السادس)، هذا ما قاله الولد الكبير منهم،
وبدأ مشواره عبر التّلال ووصل إلى الجبل وقطف الزهرة البيضاء الكبيرة في الوقت
المناسب الذي حدّدته الشجرة، ثم بحث عن قصر الأمير، وقبل دخوله دهن جسمه برحيق هذه
الزهرة، فاختفى عن الأنظار، وبهذه الطريقة دخل القصر بسرعة من دون أن يراه أحد،
وبحث عن أخيه، فوجده نائماً فاحتضنه وفرّ به مسرعاً، هرول جميع الحراس والخدم ثم
جمدوا في مكانهم من الخوف عندما رأوا الطفل يطير فوق الأرض وهو يبكي مذعوراً بعد
أن استيقظ من نومه، ولم يهدا (السادس) إلا عندما وجد نفسه في حضن أمه التي كانت
بانتظاره بفارغ الصبر.
في هذا الوقت ذهب مفعول الرّحيق السحري وظهر الأخ الأكبر
أمام الجميع فخورا بشجاعته، مكفر عن إهماله السّابق، صفّق له الجميع، وعادت
السعادة إلى البيت وأصبحت العائلة لا تجتمع ولا تهنأ إلا إلى جانب جذع الشجرة
الشّهيدة، وكانوا قد أطلقوا عليها اسم (الشجرة الحنون).
أما القصّة التي ألفها الآباء فكانت تدور حوادثها حول
تاجر شجاع كان يسافر من بلد لآخر، يشتري ويبتاع من البضائع ويربح من تجارته، فيعود
لعائلته بعد جولته، ومن ثم تعاود الكرة بعد مدّة من الزمن، في أحد أسفاره، نزل في
مرفأ كبير فيه الكثير من التُّجار ويعجُّ بالناس وبالسفن، سر في بادئ الأمر وبات
ليلته على ظهر سفينته يتمتع بمنظر النّجوم في السماء، إلى أن استفاق على صوت ضجيج
كبير وقرقعة وصراخ، علم فيما بعد أن إحدى المدن التجارية كانت تتنافس مع هذه
المدينة المزدهرة، فشنت عليها الحرب ليلاً، واحتلتها وأخذت ما أخذت من أموالها
وأسرت من رجالها، وكان هذا التاجر من بين أسراها، وبقي هذا الرجل أسيرا سنين طويلة
مع رفاقه يحفرون في الجبال ويقطعون الصخور ويجرونها إلى المكان الذي كان يبني فيه
قصر للملك، بقي هذا التاجر مهموماً حزيناً شارد الذّهن، يفكر دائماً في حياته وفي
مصيره ومصير عائلته، وبقي يفكر طويلاً والسنون تمرّ وهو على هذه الحال. وصمّم في
النهاية على إيجاد حل لإنهاء أسره، فجاءته فكرة بنقش عبارة على الصّخور التي
يقطعها، عبارة تقول: (من يدري، قد تصبح يوماً مكاني). مرّت السنون واكتمل بناء
القصر وسكنه الملك كما هو منتظر، وفي أحد الأيام، بينما كان هذا الملك يتّأمّل من
شرفته الحدائق الغناء التي تحيط بقصره، لفت نظره على الحائط الذي يتّكئ عليه
بذراعيه العبارة المنقوشة، تعجّب واغتاظ أول الأمر، ثم أمر بالبحث بين المساجين
والأسرى عن الرّجل الذي نقش هذه العبارة، ولم يكن من الصعب إيجاد الرّجل التاجر
الأسير الذي هرم بعد مرور هذه السّنين، وقد تذكر بصعوبة ما نقشه. وعندما مثل أمام
الملك، سأله عن قصده بهذه العبارة، أجاب التاجر: من يدري، يا جلالة الملك، قد تصبح
أسيراً بعد إحدى الحروب، وتجبر على قطع الصخور، بهذه الطريقة، تعجب الملك لذكاء
وصبر وشجاعة هذا الرجل العجوز، وأعتقه، وأهداه سفينة مع بحارتها، وأموالاً كثيرة
تعينه على الرجوع إلى بلده وعائلته، وعند وصوله إلى بلاده، لم يعرفه أحد من عائلته
في بادئ الأمر، ومن بعد تعرف هو على أحفاده، وصار يقص عليهم كل يوم جزءا ممّا كان يجري
معه أثناء الأسر.
وبعد الآباء، جاء دور الأجداد والجدات، فكانت لهم قصة طريفة
على لسان الحيوان، ولكنهم يرمزون، ولا شك فيها إلى أشياء أخرى علمتهم إياها حياتهم
الطويلة وتجاربهم فيها. قصتهم تتحدّث عن طائر اللقلاق الذي بني عشه، كعادته، في
أعلى أغصان شجرة مُسنة كبيرة، وصرف في بنائه الوقت الطويل، وكان يتأنّى في ذلك
وينتقي له القش النّظيف القويّ من هنا وهناك، ويبحث له بين قصبات البحيرة عن أعواد
متينة ليكون عشاً قويا ثابتاً لا توقعه الريح من مكانه العالي، وتستطيع أنثاه أن
تبيض فيه وتحْتضن بيضها بأمان.
ذات مرّة، رجع اللقلاق إلى عشه بعد أن تمتّع بوجبة شهيّة
من سمك البحيرة القريبة، فوجد في عشه غراباً أسود يستريح بهناء ويتمتّع بأشعة
الشمس الدافئة، استغرب اللّقلاق واندهش في بادئ الأمر، وقال في نفسه: لا بدّ أن
هناك خطأ ما، فاقترب ليستفسر عن الأمر من الغراب: مرحبا، أيها الطائر الصديق، لا
بد أنك جئت لزيارتي فلم تجدني، بادره اللّقلاق بصوت جميل، مرحبا، أيّها الطائر
الصّديق، لا بد أنك جئت لزيارتي فلم تجدني، بادره اللّقلاق بصوت جميل.
لا لست بصدد زيارة أجابه الغراب، ولكن كيف تدخل شي بدون
إذني؟
لست بحاجة إلى إذن. فإنّ العش قد أعجبني فيه طريقة صف
العيدان والقش وسعته، فقرّرت العيش فيه.
ماذا؟ العيش فيه، ردّ عليه اللقلاق بهلع واستنكار، ليس من
حقك هذا، إنه ملكي وأنا الذي بنيته بمنقاري وجهدي.
ومن يثبت أنه ملكك وليس بملك غيرك؟ فقد جئت ووجدته خالياً.
لكني غبت قليلا لأسدّ جوعي وأرجع إلى بيتي،
كلّه كلام، هل لديك أوراق تثبت ذلك؟
الحقيقة لم أعط لهذا الأمر أهمية قبل البدء بالبناء.
رد عليه الغراب بتأفف وضيق، وأنا أيضا أستطيع قول الكلام
نفسه.
بقي الحوار قائماً بين الطائران مدّة طويلة، تارة بهدوء
وأخرى بعصبيّة وتوثر حتى احتدم الخلاف بينهما وتعاركا، ولم يبق لهما الكثير من
الريش على جسميهما، وآخر الأمر اتفقا على الاحتكام إلى رئيس الطيور، إلى النسر
الذي هو بنظرهما، ملك القوّة والحكمة ورجاحة العقل والاتزان، عرض اللّقلاق والغراب
على النسر قصة خلافهما، فما كان منه إلا أن أمر بهدم العش.
انتهى الخلاف يومها بين الاثنين، ولكنه ما زال قائماً بين
الغراب واللّقالق حتى اليوم.
بعد قصة الأجداد والجدات، أكمل كل فريق من المملكة تأليف
قصة من خياله، فكان لكل دوره حتى أصبح عدد القصص المؤلفة 365 قصة، أي كل يوم قصة، تروا
على مسمع الجميع، فلم يعد الملل يصيب المملكة، فانتعشت وأصبحت توزع على جميع
البلاد الأخرى في الأرض كل سنة 365 قصة يتمتع بها الأولاد وينتظرون بفارغ الصبر
القصص الجديدة للسنة المقبلة،
وكان الأولاد ينظرون 366 قصة كل أربع سنوات، فهل تعرف
لماذا؟ وكانت الفرق تعمل جاهدة مسرورة بعد أن اشتهرت مملكتهم وأصبحت تسمى (مملكة الحكايات)،
وبفضلها عمّت القصص الكثيرة والمتنوعة جميع أنحاء الأرض ونعم الأولاد وما زالوا
ينعمون بالحكايات، وكل الفضل يعود إلى هذه المملكة.
إقرأ أيضا: