في وسط صحراء الجزيرة العربية، وفي واد تحيط به
سلسلة من الجبال، تنتصب الكعبة المكرمة، أول بيت وضع لتوحيد الله في الأرض، واليوم
سوف أقص عليكم قصة أبرهة والكعبة، استمع أبرهة
لحديث خبرائه وسأل: لست أسألكم عن مكان الكعبة، إنني أعرف مكانها، إنما
أسأل عن سر مكانته في قلوب العرب، صمت خبراؤه وراحوا يفكرون، ثم قال المهندس
المعماري، إنها ابسط اثر معماري في العالم، لقد أراد من بناها أن يوجد رمزا وضعه
الانسان امام الله، لقد عرف من بنى الكعبة أنه ما من جمال في تناسق البناء أو كمال
في خطوطه، مهما كان عظيما، يمكن أن يوفي الفكرة الالهية حقها .
عاد أبرهة يقول، لم تفهموا ما اريد أن أسأل عنه،
إنني أسأل لماذا يعظمها العرب، لماذا يتوجهون إليها ولماذا يطوفون حولها، ولماذا
يقبلون الحجر الأسود الذي يبدأ الطواف من عنده، صمت خبراء أبرهة وقال أكبرهم سنا،
يقولون يا سيدي أن حجارتها بنيت من طمأنينة قلب آدم، وسكينة قلب ابراهيم وحبه لله،
وحلم اسماعيل أيضا، يقولون إن المرء لا يكاد يدخل المسجد الحرام، حتى يفيض داخله
تيار من الأمن العميق والسلام، وهم يتعبدون بالذهاب اليها والطواف حولها، وهم
يعتقدون أن الكعبة هي بيت الله، او هي رمز لرحمة الله وغفرانه، وأن من دخل هذا
البيت وطاف حوله وصلى فيه غفرت ذنوبه.
نهض أبرهة واقفا وقال: لقد بنيت للعرب معبدا في
اليمن، وأمرت العرب أن يتوجهوا اليه، لم أبخل على المعبد بشيء، اثثته بأعظم أثاث
في الارض، وزينته أعظم زينة، لماذا لا يعبأ به أحد، لماذا لا يدخله أحد، لماذا لا
يحترمه أحد، لقد قضى فيه واحد من العرب حاجته، لقد نفذ صبري ولم يعد أمامي سوى العرب.
لقد فشلت في صرف العرب عن الكعبة، وفشلت في أن أجعل
كنيستي تجذب العرب، ولم يعد أمامي مفر من هدم الكعبة ووضع الناس أمام الأمر الواقع،
اهدموا الكعبة.
وهكذا أصدر أبرهة أمره بالحرب وهدم الكعبة، حتى
لا يجد العرب مكانا يحجون إليه غير الكنيسة التي بناها، أحنى الوزراء والقادة
رؤوسهم للطاغية وبدأ الجيش يستعد، كان جيش أبرهة من أقوى جيوش العالم في ذلك الوقت،
وكان الجيش يضم سلاحا كاملا من الفيلة الجبارة التي تملك قوة خارقة، وكانت هذه
الفيلة إذا اندفعت نحو شيء دمرته، وإذا ربطوها بالسلاسل بشيء شدته وحطمته.
أمر أبرهة أن تقوم الفيلة بأكثر من تجربة لهدم
بناء أكبر من الكعبة، وقدرت الفيلة على هدم ما هو أكبر من الكعبة، حتى إذا أمروها
بعد ذلك بهدم الكعبة كانت الفيلة على استعداد لأداء مهمتها الأصلية، وتحطيم الكعبة
بسهولة وسرعة.
انتهى تدريب الجيش واستعد فأصدر أبرهة أوامره
بالتحرك، وتحرك جيش أبرهة، وكان يستخدم الفيلة الشرسة نفس استخدامنا للدبابات
اليوم، وكان جيشه يتفوق بهذا السلاح على سائر الجيوش الموجودة يومئذ.
سمع العرب بقصد ابرهة، وعز عليهم ان يتوجه لهدم
كعبتهم، وكان العرب وثنيين ورغم ذلك كانوا يعتزون بالكعبة، فقرروا الدفاع عنها، واعترض سير
الجيش رجل من أشراف اليمن اسمه ذو نفر، فدعا قومه وسائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاد
عن البيت الحرام، أبرهة هزم العرب وأسر ذا نفر، بعد ذلك تعرض لجيش أبرهة مع
قبيلتين من العرب، فهزمهم أبرهة وأسر نفيلا، وراح جيش أبرهة يهزم في طريقه إلى مكة
كل من يعترض جيشة، حتى إذا اقترب من مكة، كان الخوف قد سبقه إليها وأثار وجود جيش
العدو قرب مكة حماس القبائل العربية فاجتمعوا، ولكنهم بعد استعراض الموقف أدركوا
أن لا طاقة لهم ولا قدرة لديهم على التصدي لجيش أبرهة .
فتركوا ذلك وبدأوا في تهجير مكة وإخلائها من
سكانها، وبعث أبرهة رسولا إلى مكة، كان الرسول يحمل رسالة تقول، إن هنا لهدم
الكعبة، فإن لم يتعرضوا له فلا حاجة له في دمائهم، فإذا كان سيد البلد لا يريد
الحرب فليجيئوا به إلى الملك، والتقى رسول أبرهة بعبد المطلب، وكان سيد مكة، نقل
رسول أبرهة رسالة الملك، وكان جيش أبرهة قد اغتصب مائتي بعير لعبد المطلب كانت
ترعى خارج مكة، كان عبد المطلب وسيما مهيبا عظيما لما راه أبرهة أحس بالاحترام وأجلسه
جواره على بساط، قال للمترجم ،قل له ما حاجتك، قال عبد المطلب، حاجتي أن يرد الملك
على مائتي بعير أصابها لي، تغير وجه أبرهة وزال احرامه نحو عبد المطلب، وقال للمترجمقل
له قد كنت معجب بك حين رأيتك، ثم زهدت فيك عندما كلمتني، تكلمني في مائتي بعير أصبتها
لك وتترك الحديث عن بيت هو دينك ودين أباءك، قال عبد المطلب، أنا رب الابل وللبيت
رب يحميه، قال أبرهة متحدا، لن يحميه منى .
قال عبد المطلب، أنت وذاك. انتهى الحوار بين
عبدالمطلب وأبرهة، وأعطاه الملك ما اغتصبه من الابل، وانصرف عبد المطلب الى قريش
فاخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة واللجوء الى كهوف الجبال، وخرجت آمنه بنت
وهب إلى كهوف الجبال، وهي تحمل في بطنها سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واخليت
مكة من سكانها تماما، وخرجت العرب إلى الجبال يدعون الله أن يمنع العدو من هدم
بيته ونفخ في ابواق الحرب واعطيت اشارة الهجوم، ولكن الجيش لم يتحرك، رفضت الفيلة أن
تتحرك من مكانها وراح مدربوها يضربونها
بالسياط لتتحرك ولكنها رفضت أن تتزحزح، وسأل أبرهة لماذا لا يتحرك الجيش،
وجاءه الجواب، أن الفيلة ترفض الحركة، وأمر بتشديد الضرب عليها واعطيت اشارة
الهجوم مرة ثانية، ولكن الجيش ظل جامدا في مكانه لا يتحرك، كانت الملائكة قد حبست
الفيلة في أماكنها والصقتها بالأرض فلم تعد الفيلة تستطيع أن تنتقل من مكانها أو
تتحرك أو تقوم أو تطيع أوامر مدربها ولم تنتقل أو تتحرك وتقوم من مكانها، ووقع شيء
عجيب جدا لقد امتلأت السماء بطيور غامضة سوداء تطير في أسراب متلاحقة، كانت الطيور
من الكثرة بحيث صنعت ما يشبه السحابة السوداء التي حجبت وجه الشمس، ورفع أبرهة رأسه
إلى السماء ففوجئ بهذه السحابة، وانقضت الطيور على الجيش، وألقت من مناقيرها حجارة
صغيرة لا أحد يعلم من أين جاءت بها، أو أحضرتها، لم تكد هذه الطير الابابيل التي
ارسلها الله ترمي ما تحمله في افواهها من الحجارة على جيش ابرهة، حتى تحول المكان فجأة
الى قطعة من قلب الجحيم، ذاد صراخ الفيلة ورعبها، وانفلتت من مكانها وهربت في
اتجاه الصحراء، وتمزق جيش أبرهة وانكسر، وسحقت القوة المعتدية تماما.
كان واضحا أن الله تبارك وتعالى يضرب من جاء
يهدم بيته، راحت الانفجارات تتوالى كلما ألقت الطير الأبابيل ما تحمله من حجارة
جاءت من أعماق الجحيم، وفوجئ جيش أبرهة بهذا الهجوم الخاطف، كان الجيش مهيأ لتلقي
ضربة من الأمام، أو الخلف أو اليمين أو الشمال، ولكنه لم يكن مدربا لتلقي ضربات من
السماء، ونجحت المفاجأة في تدمير الروح المعنوية لجيش أبرهة، كما أن الضربات الأخرى
دمرت قواه المادية، وهكذا تحلل جيش أبرهة أمام المفاجأتين تماما، لم يعد هناك جيش
يحارب، تحول الموقف من النقيض إلى النقيض.
انهزم جيش أبرهة وأعطى ظهره للمعركة وبدأ يفر ويحاول
النجاة بجلده، كان واضحا لأصحاب الفيل أنهم يواجهون قوة لا قدرة لهم عليها ولا طاقة
لهم بها، اكتشف أبرهة فجأة أن الفيلة لم تعد تحميه وأنها على العكس من ذلك مصدر
خطر شديد عليه وعلى جنوده، لقد أصاب الفيلة ذعر من أسراب الطير الابابيل، ولهذا
هاجت فجأة ومزقت سلاسلها الحديدية وانطلقت كالإعصار المدمر تدوس الجنود وتسحقهم
تحت أقدامها الثقيلة، واجسادها الضخمة.
أصاب الجنود ما اصاب الفيلة من ذعر لم يحسبوا
حسابة، انهم الان يواجهون قصفا من السماء ذاتها، وهو قصف مخيف مدمر لا يبقى على
شيء ولا يفلت شيئا، وهكذا انطلق كل انسان أو حيوان في اتجاه يظن أن فيه النجاة،
ولم تكن جميع الاتجاهات قادرة على توفير أي نجاة من أي نوع،
إن الهلاك كان ينصب على رؤوس الجيش من السماء
موجات وراء موجات، وبدا للجيش أن هذه الطير الابابيل بلا نهاية، وتصاعد العذاب
واختلطت الآهات بأنين الجرحى بصراخ المحترقين بدمدمة المعركة بصوت الموت الزاحف من
كل مكان، انتهت المعركة وهزم جيش أبرهة وذاب مثلما تذوب سحابة سوداء في فضاء السماء.
لم يعد لجيش ابرهة أثر، ووقف سادة مكة يتأملون
ما جرى للجيش المهاجم، لقد تحول الجيش الجبار إلى شيء يشبه الطعام الذي تأكله الدواب،
ثم تهضمه، ثم تخرج بقايا الطعام للشمس لتجففها حتى تطيرها الرياح، بسط الموت ظلاله
على المكان ولم يعد باقيا من جيش أبرهة سوى هذا العصف المأكول.
قال عبد المطلب وهو يتأمل آثار جيش أبرهة،
سبحان الله وبحمده لقد حمى الله بيته من العدو، هذه قدرة الله تعالى، وهؤلاء الهلكة
أعداؤه، لقد حمى الله بيته العتيق وعاد أهل مكة إلى ديارهم ومساكنهم وسموا هذا
العام بعام الفيل، ولقد ولد فيه الرسول عليه الصلاة والسلام.